كتاب جديد يقدّم التمويل الإسلامي كَحَلّ ناجع لمواجهة الأزمات المالية

فى: الأحد - أكتوبر 13, 2019      Print

منذ أزمة الرهن العقاري عالية المخاطر عام 2008 التي انتشرت من مركزها في الولايات المتحدة إلى الأسواق المالية حول العالم، واجه الاقتصاديون سؤالًا ملحًا: كيف ينبغي تنظيم الأسواق المالية لضمان مستقبل اقتصادي أكثر استقرارًا ويمكن التنبؤ به؟ أدى هذا لطرح سؤال آخر: ما بدائل «التمويل التقليدي» الذي يتيح التركيز السريع للثروة في أيدي قلة مختارة ؟ وفي محاولة لتقديم رد عن هذا السؤال قدم دارومير رودنيك، أستاذ العلوم الاجتماعية في جامعة فيكتوريا، كتابه «ما بعد الديون: التجربة الإسلامية في التمويل العالمي». يبدأ رودنيك كتابه بالتأكيد على أن التمويل الإسلامي يختلف تماما عما هو معتاد الآن في الأسواق العالمية من تطبيق تجربة الديون والبنوك، حيث يبدأ من مبدأ حقوق الملكية، الذي يسمح للمرء فقط باستثمار ما يمتلكه بالفعل. فبدلاً من البحث عن أرباح كبيرة من خلال استثمار الأموال المقترضة لشراء المنازل، على سبيل المثال، أو حصد أموال «دون مقابل» من خلال الخدمات المصرفية، يبدأ التمويل الإسلامي من نقطة النمو البطيء ولكن الأكثر استدامة من خلال استثمار الأموال معًا. لذا فإنه في التمويل الإسلامي يجري تشجيع منطق العمل القائم على «مشاركة المخاطر» بدلاً من نقل المخاطر (مثل استخدام الضمانات لتحرير البنوك من المخاطر)، ما يضع البنوك كمستثمرة مشاركة في الشركات والمنازل ومشاريع أخرى تمولها. وبالمثل، يتم اعتبار المودعين في البنوك كمشاركين في أرباح البنك، وكذلك خسائره. ويقول رودنيك إن هذا النوع من التمويل يتوافق مع «روح» القرآن وهو «قائم على الشريعة» وليس مجرد «متوافق مع الشريعة الإسلامية». لقد توصلوا إلى استنتاج مفاده أن التمويل الذي يلتزم حقًا بأحكام الشريعة لا يمكن تحقيقه إلا باستخدام الأسهم أو النسب في الاستثمار وليس الديون. ماليزيا مثالًا ويضرب الكاتب مثلًا بما يصفه بـ«عالم الخبراء الماليين والدينيين» في ماليزيا والذين يتطلعون إلى عالم يقف فيه التمويل الإسلامي كبديل حقيقي للتمويل التقليدي، معتبرًا أنهم يسعون لجعل عاصمة البلاد، كوالالمبور، بمثابة «نيويورك في العالم الإسلامي» أو مركز تدفقات رأس المال، وإنتاج المعرفة والابتكار في التمويل الإسلامي. وبشكل عام ظهر الحديث حول التمويل الإسلامي بوصفه بديلًا بشكل مكثف في ماليزيا بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008، في ظل طموح الأخيرة لتقديم نموذج رأسمالي ناجح لا يخضع للتصورات المُسبقة حول ضرورة تمويل النمو الاقتصادي بالديون. والنمو الاستثنائي للتمويل الإسلامي في ماليزيا، جاء في سياق بناء الدولة بعد الاستعمار، حيث جرى النظر فيه إلى التمويل الإسلامي كإستراتيجية تنموية لتمكين غالبية المسلمين في البلاد من الوفاء بالتزاماتهم المالية مع مراعاة المبادئ الدينية. ويرصد الكتاب كيف أجرى خبراء ماليون إسلاميون تجارب طموحة لخلق اقتصادات أكثر استقرارا وتضامنا، فضلا عن تأسيس مجتمع متماسك من خلال توزيع المخاطر وتقاسم الأرباح، وتعزيز مهارات تنظيم المشاريع، وتشجيع المزيد من العمل الاقتصادي التعاوني.العدالة وأشياء أخرى وبعيداً عن «عدالة» مفهوم المشاركة في الأرباح التي يقرها التمويل الإسلامي، فإن هناك جانباً آخر متعلّقاً بضرورة اهتمام أصحاب رؤوس الأموال بدراسة المشاريع بشكل مكثف، بما يجعل استثماراتهم حريصة للغاية بسبب احتمالية خسارتهم لرؤوس أموالهم خلافاً للقروض التي تعود للمدينين في كل الحالات (باستثناء الإفلاس) مصحوبة بالفائدة المُتفق عليها. وبهذا، تتجنب الأسواق عاملين مهمين يسببان الأزمات المتوالية في الأسواق العالمية: المخاطرة المبالغ فيها من جانب المستثمرين بأموال البنوك، نظراً لعلمهم بعدم مساءلتهم في حالة فشل «مغامراتهم»، وحصول البنوك والمدخرين على عائدات أو «ريع» من دون عمل، بما يقوّض منطق الاقتصاد الرئيس في بذل الجهد مقابل حصد الأموال. فبدلاً من توفير بديل مالي مربح للاستثمار في الاقتصاد الحقيقي، فإن التمويل الإسلامي يكمل ويعزز نمو الاقتصاد الحقيقي، فهو يضمن ألا يؤدي رأس المال إلى ارتفاع أسعار الأصول بشكل مصطنع، بدلاً من ذلك جرى تصميمه للعمل في الاقتصاد الحقيقي، وفي المشروعات الحقيقية.جانب مُهمل يعتبر الكاتب أنه بمقدور التمويل الإسلامي الاستمرار في التوسع خلال الفترة المقبلة، مشيراً إلى النجاح اللافت الذي حققه طرح العديد من الدول للصكوك الإسلامية . حرص الكاتب على نفي مجموعة من «الشبهات» التي تثار من قبل البعض، فالتمويل الإسلامي يتعلّق بالأساس بتدفق الأموال في النظام الاقتصادي ويضع بعض القواعد المُقيدة للأنشطة الاقتصادية كمنع تمويل مشاريع الخمور، ولكن في ذات الوقت يُمكنه إفادة الدول غير الإسلامية . ويفيد التمويل الإسلامي في ناحية أخرى لا يلتفت إليها تتعلّق بـ«تطور البشر» من خلال «اتساع نطاق الخبرات الاستثمارية»، فباضطرار أصحاب الثروات الكبيرة والصغيرة على حد سواء إلى المشاركة في المشاريع بدلاً من «الادخار الآمن» تزداد قاعدة أصحاب القدرات التنظيمية بما يفيد الاقتصاد حتماً. ولذلك، يعتبر التمويل الإسلامي الحل الناجع لمواجهة الأزمات المالية، بل يصل الكتاب إلى أن الكساد (وليس الركود المؤقت) والفقاعات الاقتصادية والتضخم السريع ليست من الظواهر التي تترافق مع التمويل الإسلامي الذي يعتبره بمنزلة «حل استباقي» للكثير من مشاكل الاقتصاد العالمي المعاصر. يشير الكاتب إلى صعوبة تحقيق التمويل الإسلامي اختراقاً كبيراً على الصعيد العالمي، بسبب وجود شبكة واسعة من المصالح المستقرة التي تستفيد من وضع التمويل التقليدي . (أرقام)





أخبار ذات صلة

Horizontal Ad

تغريدات


الإعلانات



مكتب الرميلة لتخليص المعاملات